الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد
:-
إن الأمة الإسلامية قد تتعرض لفترات ضعف ، تؤثر على شخصيتها
، لكن يظل منهجها الرباني قائماً بالقسط لا يثلمه ظلم غادر ، أو طغيان
متجبر ، أو تحريف غال ..
و قد سعى
أعداء الإسلام و منذ عصر الرسالة ، للطعن في هذا الدين بشتى الوسائل والطرق
، و بذلوا في ذلك الغالي والنفيس ، لكن الله لم يمكن لهم ، فرد كيدهم ، و
قطع ألسنتهم ، و فضح سرائرهم ..
و إن من أكثر الأمور التي يستغلها الأعداء للدس والطعن في
هذا الدين ، هو التاريخ ! نعم هو التاريخ ..
قد تتساءلون كيف ؟ أقول: إن أحداث التاريخ
عامة ، والتاريخ الإسلامي خاصة لم يتم تدوينها إلا في زمن العباسيين ،
فالأحداث التي حدثت قبل تلك الفترة اعتمد المؤرخون في تدوينها على الرواة و
هؤلاء الرواة يتفاوتون في درجاتهم ، و عدالتهم ..
خاصة إذا علمنا أن من بين الرواة من تأثر بالفكر الخارجي ،
وآخر بالفكر الرافضي ، و ثالث من تستهويه المناصب .. الخ .
لذا فقد
وضع أهل الاختصاص قواعد مهمة لقبول تلك الروايات ، تماماً كتلك القواعد
التي وضعت لدراسة الحديث النبوي الشريف ، من دراسة للسند و المتن ، و غيرها
.. كذلك وضعوا شروطاً لقبول تلك الرواية ، شروط تتعلق
بالحدث ، و أخرى براوي الحدث .
و بما أن هذا الدس وقع في فترة هي عزيزة على قلوبنا ، ألا و
هي الفترة الذهبية كما يسميها أهل العلم ، لذا فإنه علينا نحن أحفاد
الصحابة أن نذب عنهم ما نستطيع ، كل حسب قدرته ، و كل في موضعه ، و لئن أتى
على هذه الأمة خريف أسقط ما عليها من ورق ، و لم يرى الراءون عليها ما
اعتادوا من أطايب الثمر ، و أقبل صبيان التاريخ يتقافزون على فروعها و
يقتطعون منها ، فإن من طبائع الأمور الخاضعة لسنة الله أن تمد جذورها من
جديد ، فتعود مورقة تستظل البشرية بظلها ، و لن يصلح شأن هذه الأمة إلا بما
صلح به أولها .
فهذا التاريخ نقدمه إلى أمتنا في وقت هي أشد ما تكون حاجة
إليه ، فإننا في صراعنا المعاصر لا نبدأ من فراغ ، و ليس على سطح الأرض
اليوم ، لا في أمريكا و لا في أوروبا و لا في روسيا ، و لا في غيرها أمة
لها ما للمسلمين من جذور عميقة في التاريخ ، و في الأصول الحضارية ، و لا
في منهج الحياة ، فهي كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء .
موضوع اليوم
قصة مكذوبة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، و ملخصها هو : أنه جيء بسبي للرسول صلى الله عليه و
سلم ، و كان من بين هذا السبي سفّانة بنت حاتم الطائي ... فاستعطفت
سفانة النبي صلى الله عليه و سلم بقولها : ( يا محمد هلك
الوالد ، و غاب الوافد ، فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب ،
فإن أبي كان سيد قومه ، يفك العاني ، و يقتل الجاني ، و يحفظ الجار ، و
يحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ، و يطعم الطعام ، و يفشي السلام ، و يحمل
الكل ، و يعين على نوائب الدهر و ما أتاه أحد في حاجة فرده خائباً ، أنا
بنت حاتم الطائي ) . فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
يا جارية هذه صفات المؤمنين حقاً ، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا
عليه ، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق .
علة هذه الحادثة و كونها باطلة :-
إن هذا النص مكذوب
على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، بل فيه عبارات مستهجنة من وصف الراوي –
و هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه – لجسم هذه
الفتاة ، و عينيها ، و فخذيها ، وقامتها و ساقيها ، و .. ..!!!
إن هذا النص بلا شك من وضع أحد
الوضاعين و هو : ضرار بن صرد أبو نعيم الطحان ، فإنه كما قال
يحيى بن معين : كذابان بالكوفة : هذا و أبو
نعيم النخعي . أنظر الميزان (2/327) .
و في الإسناد أيضاً : أبو
حمزة الثمالي ، و هو متروك ليس بثقة . الميزان (1/363)
.
و في الإسناد محمد بن السائب
الكلبي ، و الواقدي ، و قد عرف حالهما و ليس هناك داع لذكرها .
و للقصة طريق آخر ، لكن فيه
سليمان بن الربيع النهدي ، و قد تركه الدارقطني ، و قال مرة : ضعيف
. الميزان (2/207) .
و أقل أحوال هذه القصة أنها
ضعيفة جداً ، مع الحكم بوضعها غير بعيد ؛ لأن علامات الكذب عليه واضحة !
و للأسف فإن هذه الحادثة من الدروس المقررة على طلاب المرحلة
الابتدائية في مادة اللغة العربية ..
ولمن أراد التأكد و البحث بنفسه
عن مكان هذه القصة فعليه بالمصادر التالية
1- دلائل النبوة للبيهقي (5/341)
.
2- تاريخ دمشق لابن عساكر
– تراجم النساء – ( ص 151-152 ) .
3 – تاريخ دمشق (
69/ 193 ، (197- 198) .