Da3waSal7a مؤسس الموقع
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 1262 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 03/01/2010 نقاطك التى اكتسبتها : 13415 المزاج : دعــائــى :
| موضوع: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب حقائق وأوهام 16.02.10 4:04 | |
| دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب حقائق وأوهام
د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
شغب بعضهم على شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - فاتهموه بالرفض والإلحاد، فقال بعض العلماء حينئذٍ: (والله ! لو سُئل هؤلاء عن الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه !).
والتاريخ يعيد نفسه، فإن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأتباعه يُتهمون في هذه الأيام بالتكفير وإراقة الدماء ؛ من قبل علمانيين منافقين ومن تبعهم بسوء من تنويرين ومنهزمين، مع أن في أولئك القوم من لم يفقه الإيمان فضلاً عن أن يعرف الكفر والتكفير وشروطه وموانعه ، فهم أحوج ما يكونون إلى الاستتابة والدخول في دين الله تعالى ، وتعلم الأصول الثلاثة التي يُسئل عنها كل مكلف في قبره ويوم بعثه ونشره .
وقد استغل كثير من هؤلاء القوم الحملة الأمريكية على الإسلام وأهله تحت ستار الحملة على (الوهابية !)، وراحوا يثيرون الشبهات ، ولا يتوخون الموضوعية والأمانة العلمية فيما يقولون .
ومنذ أن أشرقت شمس هذه الدعوة على جزيرة العرب ، وصار لها من القبول والظهور ما لها، وخصوم هذه الدعوة يحيكون المؤامرات ، ويثيرون الشبهات والاعتراضات .
وتتضمن هذه المقالة عدة حقائق عن هذه الدعوة ، مع جملة من الأوهام والإشكالات المثارة ضدها والجواب عنها :
تميزت هذه الدعوة بالالتزام بمنهج راسخ وعقيدة ثابتة وأهداف جلية، كالتلقي من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة ، ووجوب صرف جميع أنواع العبادة لله تعالى وحده ، والتحذير من الشرك ووسائله وذرائعه ، فكثيراً ما كان الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب يقرر أن الله تعالى هو المعبود المقصود ، فلا يُقصد إلا الله تعالى ، وأن الحنيفية ملة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - هي الإقبال على الله تعالى والإعراض عما سواه، وظهر أثر هذه التربية والتقرير من خلال مواقف عملية سطّرها المؤرخون كابن بشر وغيره.
ومن ذلك أن ( امرأة أتت إلى الشيخ واعترفت عنده بالزنا بعدما ثبت عنده أنها محصنة، وتكرر منها الإقرار، واستخبر عن عقلها فإذا هي صحيحة العقل، فقال : لعلك مغصوبة ؟ فأقرت واعترفت بما يوجب الرجم، فأمر بها فرُجمت)[1].
إن التعلق بالله تعالى وخشيته عز وجل في السر والعلن جعل تلك المرأة تُقْدم بكل طواعية على الاعتراف بفعلتها ، وترغب في تطهيرها بتلك العقوبة الموجعة خوفاً من الله تعالى ورغبة فيما عنده سبحانه .
يقول الأستاذ محمد جلال كشك معلقاً على تلك الحادثة : « فهذه المرأة التي جاءت تتوب ، أو تستشهد ، بأقسى عقوبة فُرضت على الإنسان ، تعكس حالة الوجد الاستشهادي التي أطلقها محمد بن عبد الوهاب في البدو ، والتي تفسر فتوحاتهم ، فحكاية المرأة الخاطئة هي مؤشر لإيمان الرجل المتطهر الذي صنعته دعوة الشيخ ،
فانطلق يطوي الصحراء لإعادة الناس إلى الدين الحق ، فلا يجوز أن تقف العين العاجزة عند قسوة العقوبة ، فالشيخ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم معها كل الدفوع لوقف التنفيذ ، أو دفعها إلى سحب اعترافها ، ولكن جذوة الإيمان التي أطلقها في نفس الخاطئة ؛ كانت أقوى حتى من رحمته الإسلامية »[2].
وقد أثار بعضهم آنذاك شبهة أن الشيخ أقام الحدود بدون إذن الإمام ، فكان من جوابه - رحمه الله - عن تلك الشبهة : (لا يُعرف أن أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم .. ولكن أعداء الله يجعلون هذه الشبهة حجة في ردّ ما لا يقدرون على جحده ، كما أني لما أمرتُ برجم الزانية قالوا لا بد من إذن الإمام ، فإن صح كلامهم لم تصح ولايتهم القضاء ولا الإمامة ولا غيرها)[3].
لما أظهر الشيخ دين الله تعالى ، وحقق التوحيد في نفسه وأتباعه في جزيرة العرب، وأقام شرع الله تعالى ؛ استتب الأمن؛ وتحقق الاستقرار، وعم الرخاء ، وكثرت الخيرات .
وسيتضح للقارئ البون الشاسع بين حال الجزيرة العربية أمنياً واقتصادياً قبيل ظهور الدعوة وبعدها من خلال أحداث واقعية ، وهاك مثالاً عمّا قبل ظهور الدعوة ، ففي قرية صغيرة في نجد تُسمّى «التويم» عَمَد أحدهم إلى قتل أميرها وكان ابن عمه، وما أن صار القاتل أميراً حتى قُتِل ، ثم ولي الإمارة شخص ثالث فغُدِر به ، ثم وليها رابع فتمالأ عليه رجال فقتلوه ، ثم تنازع « القَتَلة » في الإمارة ، فقسّموا تلك القرية الصغيرة أربعاً ، وصار كل واحد أميراً على ربعها ، وكلّ هذه الوقائع حدثت في سنة واحدة .
قال المؤرخ ابن بشر معلِّقاً على تلك الحادثة : (وإنما ذكرتُ هذه الحكاية ليعرف من وقع عليها وعلى غيرها من السوابق نعمة الإسلام والجماعة والسمع والطاعة ، ولا تُعرف الأشياء إلا بأضدادها ، فإن هذه قرية ضعيفة الرجال والمال ، وصار فيها أربعة رجال كل واحد منهم يدعي الولاية على ما هو فيه !)[4].
وأما بعد ظهور الدعوة ؛ فقد كانت البلاد آمنة مطمئنة ، (والشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة أيّ وقت شاء ، في نجد و الحجاز و اليمن و تهامة و عُمان وغير ذلك ، لا يخشى أحداً إلا الله ، لا سارق ولا مكابر .. وكانت جميع بلدان نجد في أيام الربيع يُسيّبون جميع مواشيهم في البراري ليس لها راع )[5].
وقد تحدث ابن بشر عن الرخاء الاقتصادي في الدرعية مبعث الدعوة الإصلاحية فقال : (لقد نظرتُ إلى موسمها يوماً وأنا في مكان مرتفع ، فرأيت موسم الرجال في جانب ، وموسم النساء في جانب ، وما فيه من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام ، وكثرة ما يتعاطونه من صفقة البيع والشراء والأخذ والعطاء ، وغير ذلك، وهو مدّ البصر، لا تسمع فيه إلا دوي النحل من النجناج [6]، وقول بعت واشتريت . والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي، وفيها من الهُدم [7]والقماش والسلاح ما لا يوصف )[8].
من الآثار المشرقة لهذه الدعوة المباركة ما أورثته من تسطير لتاريخ موطنها وتدوين الحوادث والوقائع فيها كما هو ظاهر في تاريخ ابن غنام و ابن بشر ونحوهما ، فلقد ظلت نجد نسياً منسياً طوال القرون الماضية ، ولم يحفظ لنا التاريخ
عن تلك الحقبة المظلمة سوى نتف مبعثرة كما هو مذكور في سوابق ابن بشر، ولعل الأمر كما قال ابن عقيل الحنبلي - رحمه الله - : ( لما كان البلد مملوءاً بالأخيار قيض الله لها من يحكيها، فلما عُدموا وبقي المؤذي والذميم العقل ؛ أعدم المؤرخ ، وكان هذا ستر عورة ) [9].
ومن جملة تلك الآثار العلمية ما سطّره علماء الدعوة من رسائل وفتاوى وتقريرات جُمعت في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) ، وفي ( الدرر السَّنية في الأجوبة النجدية) ، فلقد حوت هذه الرسائل تراثاً نفيساً في مسائل الاعتقاد ولا
سيما توحيد العبادة وما يضاده وأحكام العبادات والمعاملات ، وأحكام الجهاد ، والمرتد ، والتفسير ، والردود .
وانظر إلى هذا التراث المتميّز وما جمعه ابن منقور في كتابه ( الفواكه العديدة في المسائل المفيدة) لعلماء نجد قبيل الدعوة ، فلا مقارنة بين الأمرين ، فمجموع ابن منقور مجرد جزأين في فتاوى ومسائل في فروع مذهب الإمام أحمد ، بينما تميزت الدرر بثراء في التأليف ، وتنوّع العلوم الشرعية ، وقوة الدليل ، وصحة الاستدلال ، وتنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع والأحداث .
يقول الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله - : « منذ عرفنا علماء نجد حتى قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ؛ فإن علمهم يكاد ينحصر في الفقه أي في المسائل الفروعية الفقهية .. فعلم التفسير والحديث والتوحيد مشاركتهم فيها قليلة جداً . فلما انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تغيّر هذا الاتجاه وتنوعت الثقافة وتعددت العلوم ، فصارت العناية بالتوحيد لا سيما توحيد الألوهية ، وصار الاهتمام بكتب التفسير السلفية كابن جرير و ابن كثير و البغوي ونحوها ، وصار الالتفات إلى الحديث وأمهات كتبه وشروحه ، كما دُرّست أصول هذه العلوم وصار الاهتمام بالفقه ، وموضوع الدرس منه هو فقه الإمام أحمد بن حنبل مع الأخذ بالقول الراجح الذي يعضده الدليل .
وإذا أردت المقارنة بين العهدين بتحقيق المسائل العلمية ؛ فقارن بين فتاوى علماء نجد التي نقل بعضها الشيخ أحمد المنقور في مجموعه ، وبين فتاويهم التي جُمعت في الدرر السَّنية ؛ لترى أنهم في الأول يقتصرون على المشهور من المذهب ، ويحاولون تطبيق ما يفتون به على ما قاله فقهاء الحنابلة ، عارية عن سوق الأدلة من الكتاب والسنة .
أما في الدرر السَّنية فترى الفتاوى مستقاة من مذهب أحمد - رحمه الله – إلا أنها مقرونة بأدلتها الشرعية ، كما تجد أنها قد تخالف المشهور من المذهب حينما يكون الدليل الصحيح خلاف المذهب .
وتجد بجانب الفتاوى الفقهية بعد قيام الدعوة علوم الشريعة الأخرى ، فهذا علم التوحيد الذي قامت الدعوة لتحقيقه ، وهو الذي نال القسط الأوفر من العناية والتحقيق ، والتأليف ، وكتابة الرسائل ، والنصائح ، لا سيما فيما يتعلق بتوحيد العبادة ، كذلك نجد الكتابة في التفسير والحديث . والقصد أنه تغير اتجاه الثقافة بين العهد الأول والعهد الثاني ، حيث تحررت الأفكار ، واتسعت المدارك ، وتعددت جوانب العلوم »[10].
وقد ادعى بعضهم أن في ( الدرر السَّنية ) غلواً وإفراطاً ، وتكفيراً للمخالفين ، وتعطشاً للدماء ، وهذه مجرد أوهام وظنون ، وسبب ذلك الوهم جملة أمور منها :
* أن أولئك القوم لم ينظروا إلى الملابسات والظروف التي حُررت فيها تلك الرسائل ، فليس من الموضوعية أن يُجتزأ نص من الدرر السَّنية دون نظر إلى سياقه ومناسبة تأليفه .
* أن الناظر إلى تقريرات وأجوبة أولئك الأعلام لَيدرك التزامهم بطريقة أهل السنة ، وبراءتهم من تكفير من لا يستحق التكفير ، وإن كان ثمة إشكال ؛ فإنما هو في تحقيق المناط ( التطبيقات ) ، وتنزيل الأسماء والأحكام كالكفر مثلاً على الدور والأشخاص ، وهذا الاختلاف في تحقيق المناط واقع ووارد ، فقد اختلف السلف الأوائل في تكفير الخوارج مع ورود النصوص بمروقهم من الدين ، ومع ذلك فجمهور الصحابة - رضي الله عنهم - لا يرون تكفير الخوارج ، لكنهم لم يتهموا مخالفيهم القائلين بتكفير الخوارج بالتطرف والغلو !
* لم يقتصر علماء الدعوة على تحرير المسائل وتحقيقها ، بل عمدوا إلى تنزيل الأحكام الشرعية الملائمة على الوقائع والأحداث ، فمثلاً عندما يحررون مسائل الولاء والبراء يُتبعون ذلك بسلوك وتطبيق ومواقف عملية تجاه طوائف ودول وأشخاص ، كما هو مبسوط في مؤلفاتهم ، لكن حصل في هذا الزمان الأخير الاشتغال بالتنظير لتلك المسائل والتنصل من تطبيقها لجملة من المسوغات التي ليس هذا موضع بحثها ، فهؤلاء الغارقون في التنظير تعتريهم الدهشة عندما يطالعون تراث علماء الدعوة وما تحويه من أحكام على واقعهم آنذاك ، وربما أنكروا على أئمة الدعوة كما هو حاصل الآن .
وها هو العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - والمعروف بعمق علمه ، وبرحابة صدره وسعة أُفقه حتى عند أولئك « الإصلاحيين » ؛ يقرر حسب فتاويه معنى دار الكفر ، ثم ينزِّل هذا الحكم على دول عربية كانت محكومة آنذاك بالاستعمار البريطاني [11] .
* ينبغي أن يراعى أن أولئك الأعلام - رحمهم الله - عندما يحكمون بكفر أشخاص وطوائف ومن خلال منظور شرعي ؛ كانوا في ظل ولاية شرعية وزمن قوة وغلبة شوكة ، ومن ثم نجد أن الأمر ظاهر عندهم ، فمن استبان كفره أقيمت عليه الحجة واستتيب فإن تاب وإلا قتل ؛ بخلاف زمن الضعف وبداية الدعوة ، حيث كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في ابتداء دعوته إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب قال : « الله خير من زيد ، تمريناً على نفي الشرك بلين
الكلام ، نظراً إلى المصلحة وعدم النفرة » [12]؛ بخلاف لما ظهرت الدعوة وقامت الدولة .
ونلاحظ في الطرف المقابل لتلك القوة والعزة ما هو مشاهد في عصرنا من هيمنة وتسلط أمريكا ، وغياب الولاية الشرعية في أكثر الأمصار ، وخور أهل الإسلام ، واستجابة كثير منهم لضغوط ومطالب أمريكا ؛ مما جعل أولئك المستسلمين ينفرون من هذه الدعوة التي تصادم ضعفهم واستكانتهم .
* لا يخفى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذات نَفَس جهادي ، والناظر إلى كتاب الجهاد من ( الدرر السَّنية ) يلاحظ فتاوى مهمة وتقريرات علمية في أحكام الجهاد ونوازله ، كما يدرك ما حفل به تاريخ الدعوة من معارك وغزوات .
لقد ذاقت بريطانيا في أوج تسلطها ضربات موجعة في بحر الخليج العربي من أتباع الدعوة أو من تسميهم بـ « القراصنة الوهابيين » ، كما أن الحركات الجهادية المعاصرة التي أقضّت مضاجع الغرب ، ودوّخت الشرق تعدّ امتداداً لهذه الروح الجهادية .
وقد غَلَب على معشر أهل الإسلام الركون إلى الدنيا وكراهية الموت ، وإن اضطر بعضهم إلى الحديث عن الجهاد ؛ فيكون بانقباض شديد واختزال مخل ، مع تكلف في إيراد الشروط والقيود .. ومن ثم حصلتْ النفرة بين جملة من العلماء والدعاة وبين أهل الجهاد .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : « وسنام ذلك الجهاد في سبيل الله ، فإنه أعلى ما يحبه الله ورسوله ، واللائمون عليه كثير ؛ إذ كثير من الناس الذين فيهم إيمان يكرهونه ، وهم إما مخذِّلون مفتِّرون للهمة والإرادة فيه ، وإما مرجفون مضعِّفون للقوة والقدرة عليه ، وإن كان ذلك من النفاق »[13].
إن من يسعى إلى إسلام « وديع » يُرضي الأمريكان ، ولا يسخط الرحمن ؛ كمن يسعى إلى الجمع بين النقيضين ، بين الحق والباطل .
أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله ! كيف يلتقيانِ ؟!
هي شامية إذا ما استقلت و سهيلٌ إذا استقل يمانِ
استطاع الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع الإمام محمد بن سعود وابنه الإمام عبد العزيز - رحمهم الله - أن يقيموا دولة إسلامية في جزيرة العرب ، تُحكِّم شرع الله تعالى ، وتنشر العلم ، وتقيم الحدود ، وتحقق الأمن ، وتُظهر الجهاد في سبيل الله تعالى ، وتجبي الأموال عن طريق الزكاة والغنائم ونحوهما .
يقول محمد جلال كشك : ( إذا كان محمد بن عبد الوهاب من ناحية العقيدة ليس بمبتدع ، فهو من الناحية السياسية مجدد ومبدع ، لقد استطاع أن يوقف حركة التاريخ ، ويلوي عنق الأحداث التي كانت تدفع العالم الإسلامي دفعاً إلى التغريب ، فمع الهزيمة الشاملة التي أصابت العالم الإسلامي أمام الغزو الأوروبي ؛ كان الظن أو اتجاه الأحداث هو خضوع العالم الإسلامي للقانون الحضاري العام ، وهو فناء المهزوم بالاندماج في حضارة المنتصر)[14].
وإذا تقرر أن هذه الدعوة المباركة سبب في وجود الدولة السعودية الأولى ؛ أفيسوغ ما تفوّه به بعضهم بأن المذهب الوهابي سبب سقوط الدولة السعودية الأولى ؟ أفيصح أن يكون سبب وجودها هو سبب عدمها ؟ اللهم إلا أن يكون مقصودهم أن تمسُّك هذه الدولة بالدين الصحيح ، وقيامها بشعيرة الجهاد تجاه البريطانيين؛ كان سبباً في تسلط أولئك الصليبيين وأذنابهم (محمد علي باشا، وابنه طوسون ، و إبراهيم )، فهل يريد أولئك التفلت من دين الله تعالى من أجل السلامة من الغرب وعملائه ؟!
لقد اتُّخذ القرار بتدمير الدولة السعودية الأولى حماية للمصالح البريطانية ، حيث أصبحت الحملات الجهادية في بحر الخليج العربي خطراً مباشراً على بريطانيا ، فلقد أقلقت بريطانيا تلك القوة البحرية ذات الأسطول الهائل ، (بل أرهبتها ، وأشدّ جوانبها خطورة هو أنها ترفع لواء الإسلام ، فأي حرب مكشوفة ستكون بدون شك طويلة ومريرة ، ولن تكون ناجحة إلا إذا قضي على الأصل ، أي على الدولة السعودية في قلب الجزيرة العربية ، وإذا أقدمت بريطانيا على هذه
الحرب فإنها ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر طويلة الأمد ، قد تتحول بفعل تفاعل الظروف والأحداث إلى حرب صليبية )[15].
ولذا تم تسخير العملاء المستغربين (محمد علي باشا، وابنه طوسون ، وإبراهيم) لسحق هذه الدولة المتميزة ، وقتل حكامها وعلمائها ، فمنهم من قُتل صبراً بالبنادق ، ومنهم من جُعل في فوهة المدفع ، ثم رمي حتى سقط في الجو قطعاً ، ومنهم من كانت تُخلع جميع أسنانه قبل قتله كما هو مبسوط في تاريخ الجبرتي وابن بشر ! فأي الفريقين أحق بالإفساد وسفك الدماء ؟! وكما قال المؤرخ محمد البّسام في كتابه (الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر) : (ولا والله تغلب عليهم صاحب مصر عن ضعف منهم أو جبن ، بل خيانة من العربان ، ورضا من ساكني البلدان) . (ثم تَوَّج إبراهيم باشا هذه الأعمال ، وهو رسول الحضارة الغربية بهدم مدينة الدرعية التي سلّم الإمام عبد الرحمن بن سعود نفسه بشرط الإبقاء عليها ، وتركها أطلالاً ما زالت تقوم شاهداً حياً على عِظَم الجريمة النكراء ) [16].--------------------------------------------------------------------------------
[1] عنوان المجد ، لابن بشر ، 1/39 .
[2] السعوديون والحل الإسلامي ، ص 111 .
[3] مجموعة مؤلفات الشيخ ، 3/67 .
[4] عنوان المجد ، 2/357 .
[5] عنوان المجد ، 1/267 ، باختصار .
[6] النجناج : الحركة .
[7] الهدم : الملابس .
[8] عنوان المجد ، 1/44 ، باختصار ، وانظر : عنوان المجد ، 1/434 .
[9] المنتظم ، لابن الجوزي ، 16/276 .
[10] علماء نجد خلال ثمانية قرون ، 1/17 ، 19 ، باختصار يسير .
[11] انظر: الفتاوى السعدية ، ص 92.
[12] مجموعة التوحيد، ص 339.
[13] الاستقامة ، 1/265 .
[14] السعوديون والحل الإسلامي ، ص 109 ، باختصار يسير .
[15] قراءة جديدة لسياسة محمد علي باشا التوسعية ، لسليمان الغنام ، ص 35، وانظر : ص122 . [16] المرجع السابق ، ص 37 | |
|